أنا و " يامنة " 5,,,,, بقلم الاستاذ الطيب جامعى





أنا و " يامنة " 5
الانتظار. كم هو بغيض و مقيت. كنا ننتظر تخرج ابننا الوحيد غدا ليزين بيتنا المتواضع بتاج العلم و المعرفة. تقلبت على جنبي. تفحصت كثيرا السقف ، تفحصت كل شبر فيه ولما يكحل الكرى عيني. غادرني النوم إلى غير رجعة. و إذا بهمس يدغدغ أذني. إنه و لا ريب همس " يامنة" . لقد تعودت عليه و أنست به حتى أني ما عدت أطيق فراقه. تناهت إلي همساتها كخرير جدول رقراق عذب قالت:" هلا خرجت و روحت عن نفسك". انتفضت مستغربا قائلا:" أ في هذا الوقت المتأخر و قد مضى من الليل أكثر من ثلثيه؟ و إلى أية وجهة تقودينني؟". ما استطعت غير الانقياد و الامتثال. و وجدتني انسل من البيت كما ينسل أي لص بعد إتمام المهمة حتى لا ينزعج البقية. دلفت أول شارع قريب من مضجعي . الشارع مدلهم لا يجلي سواده إلا بصيص نور منبعث من بعض فوانيس مترهلة. فجأة، سمعت حركة في طرف الشارع. عجبا أتوجد حياة في الهزيع الأخير من الليل و في هذا الطقس البارد؟ حثتني " يامنة" على الاستطلاع عن كثب. اقتربت من مصدر الحركة دون أن أثير الانتباه. يا للعجب ! حركاته ثابتة، رصينة .. بالمكنسة يجمع ما تناثر من النفايات ، ثم يتناول بيديه الكومة و يضعها في عربة صغيرة يدفعها أمامها . اقتربت أكثر و أكثر، فشنف أذني صوته الرخيم . يا الله! أيغني؟ و كيف يغني من هو في مثل وضعه؟ لم أتخيل أن هذا الصنف من أبناء جلدتنا موجود. تخيلت أن أمثاله إما شاك أو باك أو متذمر أو ساخط...قالت " يامنة":" جاذبه أطراف الحديث،أنس و حشته". ما استطعت مقاومة هذه الرغبة الجامحة التي تغلغلت في كل ناحية من نواحي مخيلتي. قلت:" عمت مساء، أخانا الكريم". نظر إلي بعينين قرأت فيهما فرحا طفوليا غريبا لم أعهده من قبل . تضوعت ابتسامة من بين شفتيه قبل أن تصل إلي كلماته . رد:" طاب ليلك" ، و بطرافة بينة قال:" بل طاب صباحك". تحدثت إليه طويلا طويلا حتى أني نسيت الليل و أرقه ، و انتبهت إلى احمرار الشفق . الصبح يكاد ينبعث . اعتذرت إلبه شاكرا سمره و طرد الملل و الضجر عني . و ودعته و في نفسي ألف سؤال و سؤال . لم يشتكي أصحاب الجيوب المكتنزة؟ لم يتبرم أصحاب الأكف الناعمة؟ لم العبوس واجهة معظمنا؟ أين نجد السعادة يا ترى ؟ أين نجدها؟ أين...؟ ...أين ...؟ ليتنا نكون مثل عامل النظافة البسبط هذا ، سعداء، فرحين، قنوعين ، راضين...
وصلت البيت و دلفت كما خرجت منه .
لم تودعني " يامنة" بل تماهت معي و ذابت في فكري
و خيالي . أصبحت ضميري.
-----؛
و تنتهي قصتي مع " يامنة".
الطيب جامعي.

0 التعليقات:

إرسال تعليق