أنا و " يامنة " 4
كنت يوما مارّا من أحد الشوارع ، فاستوقفتني جلبة و ضوضاء في أحد الأركان . أحرقني الفضول فقادتني قدماي إلى هناك لأطفئ نار
فضولي . وصلت. جاهدت لأطلّ برأسي إلى الداخل. شدّني مظهره. رجل في خريف العمر يداعب سبابته و إبهامه حبات مسبحة تشكو
خشونتهما. تفحّصت وجوه الحاضرين وجها وجها. فما رأيت غيرشظف العيش و الجهل و قد فعلا في ملامحهم الأفاعيل. أنصتّ فوجدت
شيخنا قد تحول إلى طبيب يحمل في طياّت فكره الثاقب التميز في كل الاختصاصات الطبية و حتى الاجتماعية و النفسية . فيشّخص داء
هذا ، و يصف دواء لذاك ... و في كل مرة كانت كومة دنانيره تنتفخ و تنتفخ . لم أصدّق عينيّ .فركتهما لاستيضاح الرؤية ، فقد أكون في
منام . فتجلّت أمامي " يامنة ". قلت : ما بال هؤلاء القوم؟" . قالت:" لا تقس عليهم . لقد أدارت لهم الدنيا ظهرها . و حرموا نور العلم
فلبسوا رداء الجهل ، لذلك هم يتعلقون بأيّة قشّة تنقذهم من الغرق ، و ما دار بخلدهم أنّهم كمن يتعلق بالرصاص الذي يسحبهم إلى العمق
السحيق" . رثيت حالهم. وانسللت إلى وجهة أخرى و " يامنة " ترفرف حولي . وصلت مكانا عاما . فوجئت بجلبة أخرى و ضوضاء
أخرى. لكن الحشد أعظم ، و مظاهر الزينة في كل مكان. لم أصدق عينيّ فبهرج المكان يسلب الألباب. جاهدت كما جاهدت سابقا، و
تطلعت. فإذا هو رجل آخر . لم أر أيّ اختلاف بينهما في الجوهر. شخّص جميع أمراض المجتمع ، و قدّم دواء لكل أمراضه . وعد و
وعد كثيرا ، و دعاهم لانتخابه. فتلتهب الأكفّ بالتصفيق ، و ترتفع الحناجر بالهتاف باسمه و الدعاء له بطول العمر . تقزّزت من هذا
المشهد الكاريكاتوري الباكي ، و اعتصرني الألم ، وددت لو أتقيأ هذه الفضاعات علني أجد الراحة التي هجرتني. كلاهما دجّال، كلهم
جهلة. قالت " يامنة " بتنهّد من أعماق أعماقها حتى خلت أنّها ستذوب و تتلاشى:" لذلك بيننا و بينهم عالم بأكمله، ألسنا من العالم الثالث
كما يقولون؟". أغضيت حياء، و رمت الرجوع. تلفتّ فما وجدت " يامنة ".
طأطأت و واصلت سيري ... واصلت ولكن ... لا أدري إلى أين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"يامنة " طيف / خيال / فكرة / حلم / ضمير ...
الطيب جامعي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق