حقيبة الغربه ,, بقلم الأستاذ ,, حنون


El Kebir Kebir Hanoune

مجرد خواطر
حقيبة الغربة
أعياني حمل جواز سفري… وأتعبني كل مرة ختمه
كما كل كتفي من جر حقيبة ذنبها الوحيد … أنها تحمل عني ماأحمله
أحيانا تسيربجانبي كرفيقة ذرب لا تطيق فراق حبيبها … وأحيانا تسير خلفي محتشمة كخادمة تسير وراء سيدها وهي لاتجرؤ على السير بجانبه من فرط إحترامها له … كما أنها لم تجرؤ يوما في أن تسألني عن وجهتي وسر تنقلاتي ولما أنا دائم الترحال و الأسفار … وإكتفت بمرافقتي مدعنة غير مرغمة ويدها في يدي كالعاشقة المعذبة التي لاتجرؤ على البوح والإستفسار ومع ذلك لاتشتكي مظلمة … لأكثرما تعثرت ورائي مؤخرا كما لو أنها صارت مرغمة على مرافقتي بعد أن سئمت مصاحبتي ومطاوعتي وقد بدى عليها التعب و الإرتخاء … كما يبدو على من سئم طول سيره وصبره … وإستسلم للعياء و للقرفساء على جنبات الطريق الطويل … صارت تصدر ورائي صريرا لم أعهده بها … أدركت بعدها أنها فعلا ملت أسفاري وترحالي … ولم تعد تلك الحقيبة التي تحب مرافقتي لمعرفة وجهتي وأنها ماعادت تحن لضم كتبي و أمتعتي ورسوماتي … وهي تدرك أن كل هذا لم يكن لي فيه إختيار … بعد أن ضقت ذرعا و إجتررت المرار من قساوة العيش
التي تطاردني كوابيسه ليل نهار … كان صرير عجلتيها النحيفتين محرجا بعد أن تآكلتا من الذهاب والإياب في الممرات وردهات المطارات و المحطات … كما لو أنها تشهذ عني كل المسافرين كلما مررت بهم … وتحاول إخبارهم بصريرها على أنها من المعذبات … كالخادمات المعنفات
في أفخم البيوت والقصور … والمجبرات على المحضور في الكثير من الأمور … ومع ذلك كنت أفتعل اللامبالات كما كنت أتجاهل متعمدا نظراتهم التي كانت تلاحقني … وقد بدى على ملامحهم إنزعاجا واضحا … حقيبتي التي أصبحت تحرجني وتزعج الآخرين بعد أن قضينا معا عمرا طويلا كزوجين متقاعدين … هذه المسكينة التي كنت أجرها ورائي كما لو أنني أرغمها على
سفر لا رغبة لها فيه … ثم لاأنكر في أنني أتفهم وضعها معي وأعي أنها فعلا من المعذبات وتعيش
عذابات الففراء والمستخدمين الأجراء مع الآخرين من الساسة و الوجهاء والمرشحين المراوغين أصحاب الوعود الغير مصادق عليها في الكثير من التصرفات والكثير من الإدارات … لكن الذنب
كله ليس ذنبي ولربما من صنعوها نسوا أن الناس تحمل بين طيات أمتعتها متاعبهم وأحلامهم وهمومهم … وأحيانا تولد في زواياها بعض الذكريات بعد مرافقة طويلة لأسفارهم بدايتها محنة تأشيرة العبور … كنت أجر حقيبتي و قد أثقلتها بأوراقي ورسومي وأمتعتي الجديدة منها و البالية
أعنفها حينا ثم أراضيها آخر كلما تعثرت أو إمتنعت عن السير في بعض الممرات … تماما كما تعنفني الأحداث في بعض المطبات و المنعرجات التي تكاد تدفـعني إلى بعض المنزلقات حيث ظاهرها يسير والخروج منها عسير … فمن كثر ترحالي وأسفاري تساوت عندي الأيام والسنين في
غربة عشقت مرافقتي مثل حقيبتي دون كلل ولا ملل … أعواما مضت دون أدنى إنذار أو إخطار … كل المحطات عندي تشتبه ببعضها وأحيانا تختلف … كما تختلف ظبط ساعاتها الكبيرة التي غالبا
ماتكون منسية في بلداننا العربية … واقفة دون حراك كما تتخمر قراراتها وتتبخر بياناتها دون تنفيذ
كل ما كان حولي بدى غريبا عن كل المحطات لأدرك متأخرا أنها نقطة الوصول حيث البداية .

بقلمي و ريشتي : حــنــون

0 التعليقات:

إرسال تعليق