لعنة الهيكل ... قصه قصيره ... بقلم الاستاذ محمد على عاشور

لعنة الهيكل(لا تقرأ هذه القصة اثناء الليل)
عندما لمح الأرض المصرية تقترب من بعيد بعد أن أعلنت المضيفة عن اقتراب الوصول ، لم يكن سعيدا ككثير من ركاب الطائرة المتطلعين من نوافذها ، فقد امتلأت عيناه بدموع الخيبة ، ثلاثة أعوم عاشها في أوروبا وعاد بعدما وضع اسمه على القائمة السوداء ، ثلاثة أعوام قضاها مع عجوز شمطاء بعد أن أخذته من مصر للعمل عندها في مطعمها طاهيا وفي بيتها زوجاً ، منذ ثلاثة أعوام أتت إلى مصر للسياحة ، ووقع كل منهما في شباك الأخر ، أوقعته في شباكها لتطفئ به نار جسدها الذي ما زال يبحث عمن يشاركه الفراش بعد أن هجرها شباب بلدها ، فلم تعد تجد من يشبع شهوتها وأن وجدته فسرعان ما يهرب قرفا منها بعد أن تغدق عليه كثيرا من أموالها .
لقد رسمت له الحلم الأوروبي وطرقه المفروشة بالورود والأموال بعد أن تساعده في السفر بالزواج منها .
أما هو فقد انتظر هذه الفرصة طويلا فكان قبل ذلك ينصب شباكه للسائحات الصغيرات لعله يظفر بالارتباط بإحداهن فيتزوجها كي يسافر معها إلى أوروبا ، لكن سرعان ما كانت تتركه الفتاة وتسافر دون أن يحقق أي شي من هذا الحلم ويبحث عن أخرى وتتكرر الحكاية .
لكن في هذه المرة لم يتعب كثيرا مع هذه العجوز ، فقد أخذ حلمه يلوح أمامه عندما وجدها تتقرب إليه وتتودد إليه وتغدق عليه من أموالها بعد أن كان هو الذي ينفق على الأخريات ، لقد أعمت عينيه بالهدايا وأعمت عقله بالسفر والعمل في مطعمها ، فأخذت تنهل من فحولته فما كان منه إلا أن احتملها في تأفف وقرف في سبيل السفر ، وتغاضى عن جسدها المترهل ووجهها المشدود الذي يشبه تماثيل الشمع ، لكن حلمه أوقف تفكيره عن أي شيء .
عندما أخذته معها إلى أوروبا وتزوجته وعمل عندها في مطعمها ,أخذت تغدق عليه النقود ، أخذ يتغير ، وتطلعاته زادت ، وبدأ يملها ويتهرب منها بالغياب عن البيت ، ولكنها لم تكن لتتركه ينغم بتلك الأموال فأخذت تحاسبه وتمنع عنه راتبه في بعض الأحيان وتهدده في أحيان أخرى ، حتى ضاق بها وتعرف على أخري ونصب حولها شباكه حتى تكون بديلا عن العجوز ، لكن المرأة لم تكن لتتركه يفوز بما يفكر فيه وتشاجرت معه ثم طلقته بعد أن استولت على كل ما يملك نظير أن تتركه يمشي في سلام ، ثم أبلغت عنه الشرطة التي قامت بترحيله بعد أن تم وضعه في القائمة السوداء، فعاد دون أن يملك شيئا حتى المبالغ القليلة التي دبرها دون علمها أنفقها في السفر .
عندما دخل إلى بيته لم يستطع أن يتجاهل نظرات الحزن والأسى في عيون الأهل الذين كانوا ينتظرون قدومه وماله وهداياه .
دخل غرفته رافضا الكلام مع أحد ، ووضع كل همه في إحراق السجائر في صمت وأحيانا مع البكاء، خمسة أيام متتالية لم يذق فيها طعم النوم ولم يدخل في جوفه شيء حتى أصبح كالمجنون ، ولم يكن يتوقف تفكيره في هذه المرأة وهو يقوم بخنقها بيديه وإضرام النار في الجسد الذي طالما رواه ، وعندما يفيق ويعود إلى بعض حاله يتمنى أن يراها ليفعل بها ما فعله بها وهو في حالة هذيانه ، أخذ ينظر إلى ملابسه المعلقة في دولابه أخرج كل ما اشترته له في أيام خضوعه لها، وتخيلها أمامه واخذ يمزقها في صورة ملابسه وهي تضحك منه وتزيد جنونه فيزيد تمزيقه لملابسه ويجعلها كومة واحدة، ويشعل فيها النيران .
أخذ يراقبها وهي تشتغل ووجهها ينظر إليه ويبكي وهو يضحك، ولكن النيران أخذت تمتد إلى بقية الحجرة وأمسكت بها وهو ما زال ينظر ويضحك ، ثم أخذ يصرخ عندما أمسكت به النيران .
استيقظ من في البيت على صراخه فقاموا بكسر باب الحجرة المغلق من الداخل الذي يخر ج من أسفله الدخان فأخرجه أخوه بعدما لفه في بطانية ، وقاموا بنقله إلى المستشفى ولم يبق إلا ساعات حتى مات ووضعته أسرته في مقبرتها وكان قد لازمه عفريت من الجن منذ أن أغلق الباب على نفسه وظل يرافقه حتى دخل معه المقبرة .
لاحظ خفير المقابر أصواتا بالقرب من المقبرة كلما أتى الليل ، كانت الأصوات ضحكات وصرخات وأصوات أقدام تجري ، وطرقات تحدث في كل مكان ،وهمسات وهمهمات لا يعرف من أين تأتي.
اتصل الخفير بأحد زبائنه المهمين ليخبره بأن عنده هدية ستدهشه ، جاء الدكتور نبيل الزبون الدائم لخفير المقابر والتربي ليري الهدية ، فهو يتعامل معهما منذ أن كان طالبا في الكلية ، وكثيرا ما ابتاع منهما بالجملة والقطاعي، ومنذ أن عمل معيدا في الكلية وتخصص في جراحة العظام أصبح من أهم زبائنهما بل كان أحيانا يرسل إليهما بعض طلبته ليشتروا منهما.
عندما رأى الخفير الدكتور نبيل تهلل وجهه ثم أخذ يطلق عبارات الترحيب ، ويخبره قبل أن يتكلم انه يحجز له هذه الهدية العظيمة خصيصا له ، ثم أخذ ينادي بأعلى صوته على التربي الذي أظهر حفاوته لرؤية الدكتور نبيل .
أراد التربي أن يثرثر مع الدكتور نبيل كما يفعل كل مرة ، لكن الخفير نهره وانتحى به جانبا عن الدكتور نبيل وطلب أن يخرج الذي كان يتكلم عنه معه ووضعه في الصندوق .
طلب الخفير من الدكتور نبيل أن يجلس ويشرب الشاي كما يفعل في كل مرة حتى يجهز له البضاعة .
بعد مدة ليست قصيرة جاء التربي يتقدم اثنين من الشباب يحملان صندوقا يشبه التابوت ووضعاه أمام الدكتور نبيل الذي فتح الصندوق وابتسم وجهه وهو يعاين الهيكل العظمي وعندما وجده بحالة رائعة اشتراه على الفور من الخفير والتربي اللذين طلبا منه مبلغا فلم يفاصل فيه كما كان يفعل قبل ذلك .
انطلق الدكتور نبيل بسيارته وخلفه سيارة نصف نقل صغيرة تحمل التابوت ، وقد تم تغطيته بقطعة كبيرة من القماش حتى وصل إلى منزله فصعد به الشابان إلى شقة الدكتور نبيل الذي قام بتثبيت الهيكل بمساعدة الشابين ، فجعله واقفا على قدميه كما تعود أن يفعل ذلك .
الدكتورة نهى هي زوجة الدكتور نبيل وتعمل أيضا طبيبة عظام وهي أيضا تعمل في الجامعة صباحاً وفي عيادتها في الحي الراقي مساء ، وهو كذلك في عيادة أخرى .
وهما دائما الشجار وكان شجارهما باستمرار بسبب الطعام ، فهو يطلب منها بصفته الرجل أن يجد الطعام في أوقاته جاهزا على السفرة أو حتى في المطبخ ، وهي ترفض أن يعاملها مثل سي السيد فهي مثله تماما وهي تشترط عليه إذا طالبها بعمل شيء أن يعمل مثله ، أو يحضر خادمة لتقوم بالعمل في البيت ، لكنه يرفض الخادمة بشدة ، ويذكرها دائما بالخادمة التي أحضرتها في المرة الأولى وضبطها مع رجل في فراشهما والمرأة العجوز التي أحضرتها في المرة الثانية فسرقتهما ، وظل يعايرها مدة طويلة .
لكنه في هذا اليوم تفاديا للمشاجرة احضر معه غذاء عظيما من أحد المطاعم الكبيرة واعده على ترابيزة السفرة .
عادت الدكتورة نهى من العيادة ووجدت الدكتور نبيل ينتظرها وقد بش وجهه عندما وقف يستقبلها عند باب الشقة ، ثم صحبها إلى احد الأركان ووقف أمام الهيكل وقد غطاه بقطعة من القماش، ثم رفع الغطاء من فوق الهيكل وهو يشير إليه ويسألها عن رأيها.
تقدمت الدكتورة نهى خطوة إلى الأمام وهي دهشة ثم تلمست عظمة الساعد بإصبعها وهي تقول في سعادة : ما أجمله !
أحست كأن الجمجمة تبتسم لها ابتسامة خفيفة ، هزت رأسها كأنها تنفي ما رأت وتوهم نفسها بأن ذلك لم يحدث .
جلست تتناول الطعام وبين الفينة والأخرى تنظر إلى الهيكل التي أحست أن جمجمته تتجه ناحيتها فمطت شفتيها في استغراب، وأقنعت نفسها بأنها لم تلحظ هذه الانحرافة من قبل .
عادت المشاكل تنصب في اليوم التالي على الطعام، والكلام الي كان يتكرر سابقا يتكرر لاحقا ، والمطالبة بالحقوق الزوجية تقابلها المساواة في أعمال البيت ، فلا فرق بينها وبينه ، وكان اليوم الثالث والرابع والخامس مثل بعضهم ، يأتي الدكتور نبيل ينتظر زوجته وما أن تصل حتى تقوم المشاجرة على الجبن واللانشون والزيتون والخبز الذي يأكله في الإفطار والغداء والعشاء مع وجود اللحوم التي تملأ الثلاجة بأنواعها .
العفريت الذي يسكن الهيكل كان يراقب الأحوال من عيني الهيكل ويضحك من فم الهيكل ، وعندما يريد أن يتحرك داخل الشقة كان يتحرك من داخل الهيكل ، وعندما جاء في أول يوم أخذ يتفقد الشقة وهما في الخارج حجرةً حجرةً، حتى شاهد المكان كله ، ثم فتح إحدى النوافذ وأخذ يراقب الشقق المجاورة ، ثم ما لبث أن أعاد الهيكل إلى مكانه وطار إلى أحدي الشقق المجاورة ليلاعب أصحابها ببعض ألاعبيه كأن يشغل النار في أحد الأركان ، ثم يطفئها قبل أن تأتي سيارة المطافي فلا تجد شيئا، أو يرفع صوت التلفاز المنخفض أو يغلق التلفاز المفتوح في شقق أخرى ، أو ينقل شيئا من مكانه ، أو يدخل هواء من نافذة مغلقة فيجري أصحاب الشقة ليتسمروا أمام النافذة في رعب ، أو يقوم بإدارة محركات السيارات الموجودة بالشارع ، أو يضئ أنوارها ويطفئها أو يشغل سارينة السيارات في وقت واحد أو أجهزة الإنذار ، وكل ذلك في وأوقات متأخرة بالليل فتضاء نوافذ الغرف ويطل الجميع من الشبابيك أو ينزلوا مهرولين ليجدوا أن كل شي هادئ.
وكان أول شيء فعله بعد أن تشاجر الزوجان شجارهما الكبير الذي هدد فيه الدكتور زوجته بأنها أن لم تعد الطعام يوميا فأنه سيأكل طعامه خارج البيت ، وانه لن يعود إلا وقت النوم ،فما كان من العفريت إلا أن دخل المطبخ بالهيكل وتمثل صورة صاحبه القديم ، واخذ يخرج الطعام من الثلاجة ويطبخه ، ثم أخذ يرتب الطعام على المائدة ، وعندما انتهى أعاد الهيكل إلى مكانه ثم فتح النافذة وبدأ يمارس ألاعيبه مع الجيران ، وقبل أن يصل الدكتور نبيل إلى شقته كان قد عاد إلى الهيكل واخذ يترقب ما سيحدث .
عاد الدكتور نبيل في ثاني أيام الشجار الكبير الذي هدد فيه زوجته ، وما أن دخل من الباب حتى شم رائحة الطعام المطبوخ الجميل معدا على المائدة كأحسن ما يكون ، فاخذ يثني على رجولته وان النساء لا يأتين إلا بالشدة ، ثم تناول طعامه ، اخذ الهيكل يهز رأسه ويضحك.
جاءت الدكتورة نهى ووجدت المائدة جاهزة للطعام فأكلت وهي سعيدة ثم نظفت الأطباق ورصتها في مكانها وخرجت عائدة إلى عملها .
المشاعر الجميلة بدأت تملأ البيت كأنهما في شهر العسل ، كلمات حلوة تقال من الزوج إلى زوجته فترد بأجمل منها ، والهيكل يتابعهما سعيدا.
وافقت هذه الأيام عيد زواجهما مما جعلهما يحتفلان به في احد المطاعم ثم يعودان في أخر الليل إلى بيتهما .
في غرفة النوم تواصلت سيمفونية المشاعر الجميلة ، لكن عندما اقترب الدكتور نبيل من زوجته التي تهيأت له سمعا أصوات أشياء تسقط في الخارج فيبتعدا عن بعضهما ، ويخرج الدكتور نبيل وتتبعه الدكتورة نهى ويتجولان في أنحاء الشقة ليعرفا ما حدث لكنهما لم يجدا شيئا.
فكان الهيكل يتحرك في الشقة ثم يعود مكانه قبل أن يخرج أحد .
يعودان إلى حجرة النوم مرة ثانية وعندما يعود للاقتراب منها مرة أخرى يسمعا نفس الصوت، فيخرجا للمرة الثانية يجوبان الشقة بلا فائدة، وتكرر الصوت في المرة الثالثة والرابعة ، فقال الدكتور نبيل : ربما كانت قطة ، لكن الدكتورة نهى قالت : أن الصوت لا يحدث إلا إذا اقترب منها، كأن هناك شيئا لا يريدهما أن يقتربا من بعضهما، لكنه ضحك من الرعب والأوهام التي تدور في رأسها واقترب منها ليثبت لها ذلك فلم يسمعا شيئاً.
عندما شكرت الدكتورة نهى زوجها على إعداد الطعام اعتقد أنها تداعبه وتحاول أن تستعطفه ليساعدها في الطهي ، لكنها عندما ألحت على شكره والاعتذار له، اخبرها بأنه لم يكن ليطهوه، إنما هي التي تطهو، فاعتقدت الدكتورة نهى أنه يقول ذلك تحرجا منها لان رجولته تأبى عليه الاعتراف بذلك،أو ممازحا لتقوم بالطهو بعد ذلك .
الدكتورة نهى كانت تؤرقها تلك الأصوات التي تسمعها في الشقة وخاصة في الليل فشكت لزميلتيها الدكتورة منى والدكتورة عبير بأن الشقة مسكونة، وحكت لهما ما يحدث وما تسمعه، حتى أن الجيران يقولون أن الشارع أصبح مسكونا ثم تصمت قليلا وتقول : وأن هذا لم يحدث إلا عندما جاء الهيكل .
ضحكت الدكتورة منى والدكتورة عبير من كلامها مثلما ضحك منها زوجها، حتى خافت أن تتهم بأنها موسوسة ، لكنها كررت لهما الحكاية عدة مرات، وظهر خوفها من الهيكل حتى أنها تخاف أن تكون بمفردها في الشقة ليلا ، وأنها لا تذهب إلى الشقة إلا إذا كان زوجها فيها ، عادت زميلتاها للضحك مرة ثانية ، ثم طلبتا منها أن تذهبا معها إلى البيت بعد العمل ويأكلن سويا في بيتها وتلعبا مع العفاريت وربما تشغلان الموسيقى وترقصان معا ثم انفجرتا في الضحك.
دخلت الثلاث طبيبات وذهبن إلى الهيكل فورا ووقف الثلاثة أمامه ، وأخذت الدكتورة منى والدكتورة عبير في الكلام معه بطريقة ساخرة ، فتقولان له بأنهما ستقومان بخلع هذه العظام الجميلة وجعل كل قطعة وحدها ، ثم أخذتا تضحكان وتوبخانه بشدة ، والدكتورة نهى ترجوهما أن تتوقفا لكنهما لم تتوقفا عما يفعلان.
تناولن جميعا العشاء وبعد مدة جاء الدكتور نبيل فانصرفتا بعد أن أخبرتهما الدكتورة نهى أنها ستحصل على أجازة غدا.
اصطحبت الدكتورة عبير دكتورة منى في سيارتها حتى أنزلتها عند بيتها ثم انصرفت وهي تلوح لها .
أحست الدكتورة عبير بعد قليل كأن أحدا معها في السيارة يجلس في الكرسي الخلفي، نظرت في المرآة فوجدت الهيكل ينظر إليها ، التفتت بسرعة ونظرت إلى الكرسي فلم تجد شيئا ، ثم وجدته في المرآتين الجانبيتين .
أخذت تحاول الدكتورة عبير أن توقف السيارة وهي تصرخ لكنها وجدت أنها لا تستطيع أن توقفها والسيارة تنطلق، ثم وجدت الهيكل يتحرك أمامها في الطريق فحاولت تفاديه وبعدما تعدته وجدت أن يده تمتد لتقبض على عنقها من الخلف فنظرت مرة ثانية فلم تجدد شيء، وصراخها يزداد وانطلقت السيارة كأنها تسير وحدها بسرعة وهي تشعر بأن الهيكل ما زال خلفها ، ظلت تصرخ ولم يوقفها إلا شجرة ارتطمت بها في الطريق ، ثم نقلت بعدها إلى المستشفى في حالة سيئة.
أما الدكتورة منى عندما نزلت من السيارة تشعر كأن أحدا يسير خلفها ، تصعد السلم يصعد وراءها ، تنظر خلفها فلا تجد شيئا ، تمشي تسمع خطواته بالقرب منها ، أخذت تصعد السلم بسرعة حتى وصلت إلى باب بيتها ، وطرقت الباب بقوة وعندما استقبلتها عائلتها حكت لهم ما أحست به ، فقام أخوها بفتح الباب والنظر على السلم فلم يجد شيئا.
عندما دخلت غرفة نومها واستعدت للنوم في الفراش، أحست بأن هناك شيئاً في الحجرة، فنادت على والدتها بسرعة، وعندما جاءت أخبرتها بما تشعر به، قالت لها والدتها : أن ذلك بسبب ما تراه من حوادث بالمستشفى ، ثم جلست بجوارها حتى نامت بعد أن تناولت قرصا منوماً .
عندما تركت والدتها الغرفة أبصرته الدكتورة منى في الحجرة ، رأت الهيكل واقفا ثم اخذ يطاردها وهي تصرخ محاولة الهرب ،لكنها لا تستطع فقد سد باب الحجرة عليها ثم أخذ يقترب منها محاولا خنقها، حاولت الهرب منه مرة ثانية لكنه أمسكها من ملابسها فتمزقت في يده، ثم هجم عليها ثانية فظلت تصرخ وتستغيث بوالدتها ، لم تشعر إلا بالأسرة كلها حول السرير يوقظونها من نومها وهي تصرخ في رعب وتنظر إلى ملابسها الممزقة وتخبر والدتها بما حدث وما رأته.
اتصلت الدكتورة نهى بالمستشفى تبلغهم بأنها في أجازة . وكانت عندما طلبت هذه الأجازة لم تعلم بما حدث لأي من زميلتيها ، فقد قررت أن تعد مفاجأة لزوجها بإعداد الطعام ليس للغذاء فقط ولكن لبقية الأسبوع أو حتى لعدة أيام ، ثم ذهبت إلى السوق وعادت تحمل عددا من الأكياس التي بها كثير من الخضروات واللحوم والفاكهة.
عندما دخلت الشقة وأغلقت الباب واتجهت ناحية المطبخ ، لاحت على وجهها ابتسامة وهي تسمع أصواتاً قادمة منه فقالت في نفسها : لقد سبقني أيضا اليوم .. ولكن متى خرج ومتى عاد ؟!.
وضعت حقيبتها والأكياس في الصالة ، ثم اتجهت للمطبخ على أطراف أصابعها كي تفاجئ زوجها وهو يطهو ، عندما وقفت بباب المطبخ جحظت عيناها وانطلقت منها صرخة مدوية ، ثم انطلقت هاربة من مكانها وهي تصرخ ، فقد كان الهيكل يقف في المطبخ أمام البوتاجاز يطهو الطعام ، وما أن سمع صراخها حتى استدار ناحيتها وألقى عليها إحدى الأواني التي أمامه وعندما فرت هاربة وهي تصرخ ، انطلق ورائها ولحقها عند باب الشقة قبل أن تفتحه ، لكنها هربت ثانية منه إلى حجرة النوم ودخلتها بسرعة وأغلقت على نفسها بالمفتاح، وقد زاد صراخها بشدة وهي ترى محاولاته لفتح باب الحجرة ففتحت الشباك وهي تصرخ.
من صرخاتها واستغاثتها تجمع الجيران واخذوا يطرقون باب الشقة مدة ثم قاموا بكسره ، سمعت اصواتا كثيرة في الصالة ، ثم أخذوا يطرقون على باب حجرتها واستطاعت أن تميز من الأصوات التي بالخارج صوت البواب ، ففتحت الباب وهي مرعوبة ، دخل كل من في الخارج إلى الحجرة ، والهيكل واقف يتزلزل في مكانه من الغيظ.
عندما جاء الدكتور نبيل ووجد بيته يمتلئ بالشرطة ، والناس في الخارج ، والدكتورة تجلس على أحد الكراسي وبجوارها ضابط شرطة يسألها ، لكنها تبكي وتغطي وجهها بيديها .
كان البواب قد اخبر الدكتور نبيل في عمله بما يحدث في شقته مما جعله يأتي مسرعا ،وقال له : أن الدكتورة نهى تقول أنها عندما عادت وجدت لصا بالشقة مما جعلها تصرخ وأغلقت على نفسها الحجرة.
بعد مدة انصرفت الشرطة واخذ الدكتور نبيل يستفسر عن اللص ولماذا لم تتصل هي به .
أخذت الدكتورة نهى تقص عليه ما حدث وعيناها على الهيكل ، والدكتور نبيل ينظر إليها في ريبة وقلق ، وطلب منها أن تعرض نفسها على طبيب نفسي كما أخبرها قبل ذلك ، ثم سألها : لماذا لم تخبري الشرطة بما حدث ؟
أخبرته أنهم سينظرون إليها كما ينظر إليها الآن ، ولن يمر الأمر هكذا ..
أخذ الدكتور نبيل كوبا من الماء وشرب بعضه ، ثم اتجه به ناحية الهيكل وقال لها أتريدين أن تخبريني أن هذا الهيكل هو الذي يعد الطعام ، ويفعل كل شيء بالبيت ثم يهاجمك .. كل هذا يفعله الهيكل ؟ .. ثم رش الهيكل بالماء المتبقي في الكوب ، واستدار يسألها .. أتريدين مني أن أصدق هذا الكلام؟.

اتسعت عيناه وهي تصرخ وقد هبت واقفة وهي تشير ناحية الهيكل ، فالتفت بسرعة عندما قبضت يد على كتفيه بقوة، فحاول أن يهرب بسرعة وقد تمزق قميصه من الخلف ، عندها صرخت الدكتورة نهى وانطلقت وخلفها زوجها ناحية غرفة النوم ، لكنها كانت اقرب فدخلت وأغلقت على نفسها تاركة زوجها بالخارج ، وصراخها واستغاثتها تصل إلى أبعد مكان وهي تسمع صرخات زوجها من الألم وأشياء تكسر ، وصوت زوجها وهو يتشاجر مع الهيكل.
لم يمض الكثير من الوقت حتى امتلأت الصالة عن آخرها بالجيران بعد أن كسروا الباب ، وسمعت الدكتورة نهى أصوات الناس في الخارج ففتحت الباب وخرجت في حذر ، ورأت زوجها وسط الناس ملابسه ممزقة ، وبجسده بعض المناطق تنزف دما، وقد جلس ينظر في وجوه الجيران تارة وينظر إلى الهيكل تارة أخرى ، وأنفاسه تتلاحق كأنه جري عشرات الكيلو مترات.
الأسئلة تنهال من كل اتجاه عما سبب ذلك، وهو ينظر إلى زوجته ويحاول أن يتنفس قليلا بهدوء ثم يخبرهم بأن اللص قد عاد ثانية ، وينظر إلى زوجته التي تتابعه وهي مرعوبة ، ثم يطلب من الحاضرين إلا يتصلوا بالشرطة ، فسيقوم هو بكل شي ، لكنه يرجوهم أن يبقوا معه حتى يخرج هو وزوجته من الشقة.
انطلق الدكتور نبيل والدكتورة نهى إلى التربي وطلبا منه أن يأتي ومعه سيارته ورجاله ليأخذ الهيكل الآن، طلب التربي مهلة عدة أيام لأنه مشغول لكن الدكتور نبيل أصر على أن يأتي معه ، ولم يتركه حتى ذهب معه إلى المنزل ومعه الصندوق المخصص لحمل الهيكل وبعض الرجال.
دخل الجميع الشقة التي تملؤها الفوضى ،ـ ونظر التربي إلى الشقة ثم إلى الهيكل في خوف، ثم أمر رجاله بأن يضعوه في الصندوق بحظر حتى لا ينكسر منه شيء.
رأت الدكتورة نهى الجمجمة وهي تتحرك ناحيتها كأنها تنظر إليها للمرة الأخيرة وكأن دمعة تسيل من عينيه المجوفة.
انصرف التربي ومعه رجاله والصندوق ، والدكتور يطلب منهم أحكام الصندوق عليه.
مجموعة من الطلبة من كلية الطب يتفاوضون لشراء جماجم من التربي ، فيبتسم إليهم ويخبرهم بأنه سيعطيهم هدية ، فتح أمامهم الصندوق وظهر الهيكل المحبوس، نظرت إليه فتاة وهي تقول : ما أجمله!
أحست بأن الجمجمة تتحرك ناحيتها وتنظر إليها .


بقلم
محمد على عاشور

0 التعليقات:

إرسال تعليق