الدخول المدرسي: ميلاد العنصريةـ.. بقلم الأستاذ ,,إدريس أوبلا






ــــــــــــــــــ تتمة السرد ـــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــ الدخول المدرسي: ميلاد العنصريةــــــــــــــــــــ
في المدرسة نحس بفرق كبير يفصلنا عن الدراسة بالمسجد، برغم البعد والفقر المحذق، ليس في أشكال العنف الذي ألفناه وصار البأس و النعمة التي نلقاها على الدوام، سواء كنا بصدد تلاوة آيات الرب الرحيم- ونحن تحت رحمة شيخنا- أم بين جدران الأقسام التي خلفها الكفار الفرنسيس بمدينة جرادة منذ الخمسينات بمدرسة "أبي عبيد البكري".
ولكن لكونها فصلا جديدا من حياتنا، نحس فيها ببعض المرح وببعض الحب الذي يتخلل معاناة الفقر والقمع الذي يحاصرنا من كل ناحية، كما أن هناك فرق كبير بين أجواء الصيف في المسجد وبين أجواء الشتاء في المدرسة، الشتاء العاصف في غمرة الثلوج حيث يحم الزمهرير بدرجاته على حواسنا وأجسادنا الهزيلة. لذلك كنا نحب من السنة أولها.
نحب من السنة أولها، فالدخول المدرسي عادة ما كنا نحس بتميزه حاملين ورقة و قلما أزرقا، ونحن نقصد المدرسة بثياب جديدة على أبداننا، نجتمع في ساحة المدرسة المتقابلة مع مكتب المدير، نرهف السمع حتى لا يفوتنا نداء المعلم أو المعلمة التي تحمل لائحة عليها أسماء تلاميذ القسم المسند إليها.
تقصد أقسامنا في فضول يساور أحاسيسنا المتقلبة تجاه المكان و المعلمين و العدد الهائل من التلاميذ و الفتيات الشقراوات اللواتي حطت بهم الحافلة قبيل موعد الدخول بقليل أمام باب المدرسة قادمين من حي الطاقة "لرينج" كما ننطقها و لنيغجي كما يصححها لنا المعلمون و أبناء الشيكولا هؤلاء.
كل معلم أو معلمة يجمع تركته من الصبيان و يتجه بهم نحو قاعة الدرس الخاصة بهم، وقبل ولوج القسم تتأكد المعلمة مرة أخرى من أسماء التلاميذ الذين تبعوها من الساحة إلى القسم كصغار الإوز الهائمة بشمس الصباح التي بدأت تطل على الساحة : هاجرـ محمد- عائشة- أنير- مريم- أديف- جلول- عبد القادر- احماد....
- حاضر.... حاضر....حاضر....
ندخل إلى القسم ونكتظ به قبل أن تقسمنا المعلمة إلى أفواج، بكل طاولة يجلس أربعة تلاميذ مزدحمين، ينظر كل واحد منهم بغرابة إلى الآخر محاولا أن يسيطر بالقوة على حيزه من الكرسي الطويل و يحصنه.
هذا قصير..وهذه تبهر الكل بعينيها الزرقاوين، و في الطاولة الخامسة بالصف الثالث يقعد تلميذ يبعث الخوف بكل التلاميذ، يجلس وحيدا بالمقعد، بعدما طرد كل من جلس بالقرب منه، و أيقن أن لا أحد يمكنه أن يقترب منه أو يملك القدرة على ان يشكوه للمعلمة. حتى المعلمة لم تتساءل عن انفراده بالمقعد، ربما خوفا من بريق عيني "جلّول" اللتين توحيان بالغضب الشديد لدى كل من يحيط حوله، لو تحدثت الجدران لأفضت بما كانت تلغزه العيون داخل القاعة المربعة التي تعج بالطاولات الخصراء القديمة وهي تفصح بدورها عن لمحات الدهر الذي رسمت عليها رزاياه آثارا موحشة؛ حيث بقع المداد الذي كانت تمتح منه ريشات تلاميذ الخمسينيات لا زالت شاهدة على وجود جيل مر من هنا.
أما الآن فقد حل قلم البيك الذي ينسل ببطئ عبر فجوة البؤبؤ الضيق الذي يرسم الكلمات على الدفاتر بحسب إيقاع كل يد ونهج كل طريقة لهذي الأنامل الطفولية القادم أغلبها من المساجد بينما هناك فئة أخرى حطتها الحافلة درست بأقسام أولية عصرية قبل أن تحتل الطاولات الأولى بالقسم بإيعاز من المعلمة التي اكتفت بتجليس اثنان منهم بكل طاولة بخلاف من بقي في الطوابير الخلفية. ما عدا جلول الذي لم يسلم القلم الذي يحمله من قضماته، حتى بات قزما دون أن يمر على شرائه يوم واحد. ترى ىكيف ستصير دفاتر وكتب هذا الولد الشقي بعد مرور أشهر من الدراسة؟ وهل ستجرؤ المعلمة على ضربه أو تعليقه مثلما كان الفقيه يقوم بذلك دونما خوف أوخجل؟
كل هذهالتساؤلات تجول بالذهن وتغزوا معاقله، وسرعان ما تتبخر بفعل فضول المجاورين عن اليمين وعن الشمال، فيسألك أحد عن اسمك و الآخر عن الحي الذي تقطنه، خاصة هذا الفضولي الذي يفصلني عنه مقعدين، لأنه في كل مرة يشرئب نحوي و أنا معتصر و مختنق وسط جلسائي :
- أنا أحمد...ما اسمك أيها " الكَربوز"؟
يتردد للحظة ويجيب: اسمي ايدار
يطلق أحمد قهقهه عالية لا تبالي بها المعلمة التي انصهرت في حديثها مع زميلتها على عتبة القاعة، و يخبر مجاوريه بهذا الاسم الغريب، فينفجرون بالضحك وهم يتطلعون إلى هذا الحوار المثير ، منتبهين إلى لكنة هذا الأمازيغي العجيبة أثناء حديثه بالدارجة في سخرية
- ايدارْ.. واشتا دارولك,,,,,, ها ها ها,,,,,,,

0 التعليقات:

إرسال تعليق