إمرأة فاقدة ,,قصه قصيرة بقلم الأستاذ,,فؤاد حسن مجمد


نتيجة بحث الصور عن رومانسي حزين


امرأة فاقدة /للزمن قصة قصيرة / فؤاد محمد / سوريا ...
زمن الرقص انتهى ، وثوب الغانية المدللة خُلق ، وأصبح أيلا للسقوط عن جسدها ، الثمل مال على كرسيه المهترئ ، الضعيف لايسند ضعيف ، لامفر اليوم من التقيؤ على كل شئ ، زمن الوصلة انتهى ، الزيغ لايمّكنه من السير في خط مستقيم ، لابد ان تدور حول نفسك وتبقى في المكان المحدد لك ، الراقصة كشفت له عن ساقها وهي تخوض فن الغواية ،ولكن لاشئ يشد الانتباه ، الرجل فقدالشهية ،الجنس لاطعم له مع مومس .
الراقصة قتلت في نفسه حب الحياة ، بعد ان ابدت له من الدلال الغرائبَ ،شغل منصور الشاغل هذه الراقصة التي غيبت عنه بيته وأهله ، كان يجري وراؤها حباْ وافتناناً،الأيام دولاً، فبعد ان كانت الفتيات يحمن حوله كالفراشات ،الان هو من يلهث وراء سرطان ميت لاامل فيه.
ذات مساء قرع باب بيتهم ،حين كانت عائلتها تتناول طعام العشاء ، فتحت له الباب ورازيه : انه رجل بدوي غريب في الأربعين من عمره تقريبا ، طويل اسمر اللون ذو ملامح خشنة ، كث اللحية ، حليق الشارب ، يلبس جلبابا رماديا قصيرا إلى تحت الركبة ، وعلى رأسه ألقى قطعة قماش سمنيه اللون ، قالت وقد وقع موقعا منفرا في قلبها : ياله من رجل قبيح ،كان لها معاييرها الخاصة في جمال الرجال ، فكانت تظن ان الرجل الذي يلبس بنطالا وبلوزة هو في منتهى الجمال .
سألته بأدب وارتباك : ماذا تريد
اجابها بلهجة سعودية بدوية: الوالد موجود
أفسحت له المجال : تفضل
دخل بخيلاء ليقطع ممرا صغيرا إلى غرفة الطعام ، تفاجأ أفراد العائلة بالبدوي الغريب جميعا فنظروا إليه بصمت ، هو زائر غير متوقع ، لكن والدها وضع الملعقة في الطبق ، وهرول نحوه متذللا حانيا رأسه للأرض ، مؤهلا به بصوت متهدج:
:-أهلا بالأمير أبو قتادة
أخذه إلى غرفة فارغة ، وبعد وقت قصير أوصله إلى الباب ، سمعوه يقول :
-كما تريد ....لنا الشرف ....تشرفنا ...غدا يتم الامر
ناداها والدها إلى غرفة الضيوف ، وقال لها :
- هل انت مستعدة لسماع ما أقوله لك
-نعم
هز رأسه بتقدير:
- الجوهر في حياة المرأة هو الزواج ،وهذا ماي جب أن تصل إليه أي امرأة
ثم قال بلهجة أكثر جدية :
-أنت ابنتي البكر ولا أريد لك إلا الخير ، وهذا الزائر أمير طلبك للزواج وانأ أعطيته الموافقة، فغدا ستذهبين معه لان المجاهدين لايشد من عزيمتهم الا النساء ، وأريد أن تكوني قدوة
صرخت وأجهشت في البكاء ، وتوسلت وتضرعت إلى امها لتتوسط ان لايوافق والدها على ذلك ، لكن دون جدوى .
بل قال لها والدها صارما أمره على غير عادته:
- انك لا تلقين بنفسك في جهنم ...ففي المحصلة هذا هو دور النسوان
لم تنطق ببنث شفه ، الأمر انتهى ،ذلك الأمير المقرف جاء ليوقعها في الرذيلة ،يا القلوب الرجال التي لات حس.
قبلت أخيرا دون إرادتها
وفي اليوم التالي أوصلها والدها إلى معسكر المجاهدين ، لكنها تظاهرت بانها غير ناقمة .
مد الأمير يدا كبيرة وشد علي يدها الصغيرة ، وقال لأحد الرعاع:
_ انده على الشيخ ليكتب الكتاب على سنة الله ورسوله
أتي الشيخ مهرولا ، وبسرعة تمتم بضع كلمات ، فأصبحت زوجته لسبع ساعات ،
جلس الأمير إلى جانبها وقال بوقار مصطنع :
أنت اول مجاهدة نكاح ، الرجال هنا بحاجة كبيرة إلى مجاهدات ، أمل أن تفهمي ذلك
نطق تفهمي ، ثم وضع شفتيه الغليظتين على عنقها ، في وجهه أبصرت الشيطان يبتسم ،ودت لو تبكي لكنها استسلمت،تلك الرّشيقة المتغنجة ، كان كُثرٌ ، يطلبون وِدّها ، يغازلوها ، يهيمون في حبّها ...كانت تتمنّع عن هذا وذاك ، تسكب لهم من انوثتها حبا وصبابة ، كان منصور بين الكوكبة التي اشتهت متعة ركوب الانثى ، وكان الاوفر حظا من باقي الفصيلة ،لكن غريزتُها الأنثوية دفعت والدها بعجلة على انتقاء الاكثرمالا ، فاستسلمت له بهدؤ وتروي ، ليقضي منها وطره ،ويسلبها أفضل غريزة أودعها الله فيها ،ويتركها كلبة طريحة يختلط دمها بعويلها ،بأيّ ذنب قتل عفتها وكبريائها ، لتتحول الى جسد يشارك من يدفع المال مضجعه .
تناوب عليها الرجال كالذئاب ، مدة عشرين يوما ، ثم اخلوا سبيلها ، لكنها بدل ان تعود الى البيت ، ذهبت الى العاصمة لتعمل راقصة في ملهى ليلي . ثلاث سنوات من الوجع الثقيل ، ثلاث سنوات شحيحة لم يقو جفنه على النوم ، حتى لحظات الصحو كانت حبلى بالعذابات النفسية الموجعة ،تحت وطأة اوجاع احلام وكوابيس اليقظة ، ثلاث سنوات كلما حاول الصعود نحو الراقصة ارتدت عليه هبوطاْ الى قاع الخيبة والشقاء.فيلعن عقلَه السخيفَ الذي يتصوّر أن الراقصة ستعقد معه "شراكة دائمة". كان الملهى ضيقا يوحي بالعبوس والكآبة، وعلى جدرانه الرمادية القذرة معلقات وصور لراقصات ،وصور المشتبه فيهم من المطارَدين والمنحرفين والمورطين في متاهات الراقصة فقدت فتنة الرقص ، جففت السنون جمالها الباطني ، وشوه عاشقيها اعضاءها الداخلية ،شئ محزن ان يغطي جسد المرأة العجز في أعجاب الرجال ، لم تعد ترى نظرات الدهشة والاعجاب بمبادهتها ،ذهبت تلك الايادي التي تلامس جسدها الناعم بشبق . لكن من اساء لكرامتها كراقصة هو زبانيتها ،فعندما كانت في فرقة الرقص الشعبي قيل لها انت زهرة الوطن ، ثم قيل لها انت عاهرة عندما احترفت الرقص الشرقي ، نفرت بشدة في البداية من التطلع الى مستقبلها في مكان كهذا ، هنا قباء مظلم ، يرتاده رجال وسخوا الايادي وسخوا الوجوه ، كان اكثرهم يرتدي دشداشة قصيرة ، وكان شعر بعض الرجال طويل يمكن تجديله ، اطلقوا لحاهم وحلقوا شواربهم ، لاشئ عندهم مشرقا وزاهيا حتى عندما يكونون بدون لحية ، فظلمة ارواحهم تنثر غبارها الكدر على وجوههم . اليوم اثقلت عليها رغبة كانت اشبه بوحش في مضاجعة رجل فحل ، ان صيد الرجال ليس امراْ سهلاْ كما تتوقع النساء ،فنزلت الدرج الهوينا ، تقلب بحركات ماجنة ارديتها على مؤخرتها ، لتكشف بلمحة خاطفة سر انوثتها ، نظر اليها منصور بعينين غير طبيعيتين ، اما ان ما لمحه هوقذارة، وان مداعبة هذه القذارة هي التي تجلب المتعة للرجال، واما انه الشر الذي ينتظر اللقاح ليلد مسخ جديد .
هناك حول الطاولة وقف اربعة رجال يتهامسون بشئ ما ، في الوقت ذاته كانوا يحاولون ان لا يلحظ منصور هذا ، وكل من كان في القباء كان يتصرف على نفس المنوال ، لكن احدهم كان شريرا ، عندما شاهد عيني منصور المسمرتين في وسط الراقصة ، اخذ يضحك بصوت عال ، اصابت منصور بنوبة غثيان ، فتقيأ عدة مرات ، من بشاعة ماشاهد ، كانت خلايا جسمه ترتعد وترتجف ، لكأنه ادرك ان ما حضر له قد انتهى .
بدت له وهي تدنو منه كتلة لحم ادمية ممزقة ، لما طالته من نواهش قواطع الزناة الحادة ،بقايا نهود متهدّلة بل اشباح نهود ،جلدها اضحى خشنا وشفتاها جافتين كانتا تستسلمان لعض الزبن بكل مالديهم من قوة ليكونوا راضين ، وعيناها كامدتين ومحتقنتين بالدم كانهما قريبتين من الموت ،كما حاول تعطيل حاسّة الشمّ لديه بثنايا اكمامه حتى يتجنّب تلك الرائحة المُقرفة المنبعثة منها...رائحة جيفة ، تهوم حولها جحافل الذباب الأزرق ،والحشرات اللاسعة الدميمة .وهو واحد منهم ،لقد فقدت شكل ورائحة الفتاة المدللة ، حاول الإشاحة ببصره عن هذه العورة المتلاشية... مخيلته تعمل لإعادة أجزاء الجسد إلى سابق عهده .
وان كان لامناص من الصدق فالراقصة ايضاً ليست عمياء ، فأن الزبن االمحترمين لم يعد لهم وجود ، اما الجدد فانهم اكثر اثارة للاشمئزاز من خنازير الحظيرة ،لدرجة كانت تعجز عن امساك نفسها من التقيؤ بغزارة وقول الحماقات ،وهذا كان يؤدي الى مشاجرات كلامية نادراً ماتنتهي بالضرب.وغالبا ماتصرخ بجنون:
- كما جعلتم مني عاهرة...ساجعل منكم زناة .... وساقطع نسلكم واضع حدّا لتكاثركم
لاشئ يستحق الرؤية ، ولكنها رأت في ضوء القباء الخافت رهط سائب، شاب تلمع في عينية المشدودتين شهوة كلب ولغ يسيل لعابه ويمد لسانه ، اذا مازالت تبدو شهية ولذيذة ، مسكين منصور لايزال ينسج في رأسه اوهاماً ويظن ان الحب عاطفة مقدسة ،... في خضمّ تلك الرغبة الذكورية و فراغ الروح... ثِقْ أنّه نسيّ قبحها ...كأنّ حبّها الذي أستبدّ به منذ سنوات لم تغادره العواطف و الأحاسيس...كَذِبَ من قال ان العاشق أعمى .
ثلاث سنوات
الحديث عن الشرف حرفة العاهرين ،ومنصور واحد منهم ينظر إليها بعين الحسد رغم وضاعة مقامها ... و يتمنى أن يغدق عليها المال مقابل ولوج ذكره في رحمها ،اليس الوفاء من شيم الكرام .
هنا في هذا القباء تلتقي قذارة الجسد بقذارة الروح ، اقتربت الراقصة ملقية بيديها حول كتفيه ، ففاحت منها رائحة مقرفة ، جعلته يتقيأ ، ورغم ان منصور كان يود ان يحضنها بين ذراعيه ، الا انه ابعدها عنه ساحبا راسه الى الوراء ، لقد انطفأت شعلة الشهوة في قلبه ، فالمرأة دون جمال وشرف غير جديرة بالحب ، والرجل دون فحولة وكرامة لايعني شئاْ ،الان انتهى كل شئ ، وهاهي تضيع من جديد في مرارة الفراغ ،فالمرأة بدون رجل فاقدة للزمن.
فؤاد حسن مجمد -سوريا -قبو سوكاس

0 التعليقات:

إرسال تعليق