فك حصار.. بقلم الأستاذ..جاد عبد الله


Image may contain: one or more people


فك حصار
*********
بدأت في صغري اعبر عن صراعات الأفكار في داخلي على ورقة بيضاء ناصعة البياض لم يقبلها قبلي قلم.
و كنت احرق كل ورقة افشل في اخراج ما بذاتي في رحمها و كم خسارتي بفشلي مؤلمة اللوم مبكية, و لكنني كنت احرقها بدون تردد وبثبات كيلا يمسها بعدي أحد, يكفيها ألما ما نقشته في صلبها فارحمها بأن أدع رمادها يعتلي كل الرياح ويتناثر في كل أرجاء الأرض تاركة المجال ليتسع لورقة بيضاء جديدة أعيد معها الكرة و كلي أمل بالنجاح هذه المره.
حتى باغتني يوم لم اجد فيه اي بياض مرتعا لحرفي و لا اجد لانفاسي ما يحتويها, فكل الأوراق تلونت و ضاعت المنابع و اضمحلت مصافيها.
ألوان كثيرة تحاصرني, تقيدني و تمنعني من التحليق في سماء كينونتي و فضاء أبجدية الحريات.
فتلك صفراء لا تحمل إلا الدجل و النفاق و الزرقاء مجرمة تحرق القلوب اشتهرت بالخديعة و السرقة و الكذب أما الحمراء تصرخ بحريتي و تقتلني عند باب المعتقل.
و كثيرة هي الألوان و كثيرة هي عيوبها, فتلك لا تنجح إلا بعري نساء و قهر الشرف, و اخرى على واقع فضائح الجنس تتراقص و المميزة تكتب في الكفر و تحارب الله في الأرض .... لصوص الحرية في كل لون يتلونون وما أشبههم ببعضهم لا تمييز فيما بينهم إلا باختلاف أسماء مصانع الورق.
احمل في جعبتي بقايا اوراق بيضاء جلبتها معي من زمن الوفاء كان قد صنعها لي أبي بعرق جبينه و خصلات من شعر أمي تستقي بياضها من طهر حليب أرضعته في طفولتي, وحافظت عليها نقية لا يكدر صفاء نواياها لون أو قلم.
و كلما قررت ان استل ورقة من جعبة طفولتي لأحارب حصار الوأد هذا, اتردد و ابكي خوفا من ان احرقها إذا فشلت.
تقتلني الحيرة و الخوف و تحاصرني ذاتي كما تحاصرني الاوراق الملونة.
كأن التاريخ يرفض أن يكتب بنقاء و كأن الحرية تتداعى إلى جحور مزروعة في اعالي القمم, تنتظر نسورا من زمن الحضارة كانت قد أرسلت تحضر جنازة زمن الجهل فينا و ترسي أجنحتها ظلالا فوق منبع الحضارة الجديد.
و لحين وصول تلك النسور, كان علي ان اجد منبعا للأوراق البيضاء حقيقيا و ليس متلونا متنكرا بزي البياض خداعا ونفاقا.
سافرت في جعبة جدي و أبحرت في بحر جدتي رحمهما الله و جمعت ما استطعت من تجارب تاريخ لم تزيفه الوان المرتزقة و أبناء المصالح ... نعم جمعتها وقدمتها لمليكتي كي تصنع معي الكثير و تنجب لي أمراء حرف يحملون رايات الحرية فنصمد سويا حتى فك الحصار و وصول النسور.
****************
جاد عبدالله

0 التعليقات:

إرسال تعليق